صلاح الجوارح بصلاح القلب، وأعمال القلوب في الثواب والعقاب كأعمال الجوارح، يثاب على الموالاة والمعاداة في الله ويعاقب على الفخر والحسد والرياء، وإصلاح القلب أفضل من نوافل العبادات، ولا ينال المسلم الكمال إلا بزوال ما بقلبه من الحسد والأضغان.
وسلامة الصدر من صفات الأنبياء، قال الله ممتدحًا خليله عليه السلام: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:84]، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم معلمًا أمته: «اللهم إهدني واسلل سخيمة قلبي» أي: حقده -رواه أبو داود.
والله سبحانه فضل عباده بعضًا على بعض في العطاء عدلًا منه وفضلًا ليظهر صبرهم وشكرهم، قال جل شأنه: {وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ} [النحل:71].
والحسد خلقٌ ذميم يقصد به الحاسد ذوي الفضائل والنعم، إتصف به إبليس فرفض أن يسجد لآدم حسدًا له: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف:12]، فكان أول ذنب عصي الله به في السماء، قال ابن رجب رحمه الله: الحسد مركوز في طباع البشر والسعيد من سعا إلى دفعه، وهو مناف لكمال الإيمان قال عليه الصلاة والسلام: «لا يجتمعان في قلب عبد، الإيمان والحسد» رواه النسائي، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من هذا الداء، فقال لهم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا» رواه مسلم.
الحسد منبع الشرور ويوجب الظلم ويورث القطيع، قال ابن عقيل رحمه الله: إعتبرت الأخلاق -أي تأملتها- فإذا أشدها وبالًا الحسد.
والحاسد ضعيف النفس، كل نعمةٍ على غيره يراها عظيمة، مبغضٌ لنعم الله على عباده، يتألم من فضيلةٍ تظهر أو منقبةٍ تشكر، إن رأى فضل الله على خلقه إغتم، وإن عاين زوالها سُر، فلا راحة لحاسد، يفرح لحزن الناس ويحزن لفرحهم، لا يرى قضاء الله عدلًا ولا لنعمه على الناس أهلًا، ولسانه يخرج سواد قلبه، قال سبحانه: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد:29].
ومن رأى حال الحاسد في همه وغمه وكمده أشفق عليه، والحاسد إشتغل بما لا يعنيه فأضاع ما يعنيه.
الحسد رفعةٌ للمحسود، إذ النفوس لا تحسد إلا العظيم، وكم من نعمةٍ خافيةٍ أظهرها حسود! وكم من عبد أثني عليه بعد أن حُسِد! حسد هابيل ابن آدم فبقي ذكره يثنى عليه في كتاب الله، وبحسب فضل الإنسان وظهور نعم الله عليه يكثر حسد الناس له.
وأعظم نعمة يحسد المرء عليها هي نعمة الإسلام، قال عز وجل: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} [النساء:89]، والنبي صلى الله عليه وسلم حُسِد على القرآن: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31].
والمحسود مظلومٌ مأمورٌ بالصبر والعفو والصفح، قال عز وجل: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:109].
ويوسف عليه السلام قال لإخوته: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف:92]، ونار الحاسد تُطفأ بالإحسان عليه، وكلما ازداد شر الحاسد فزده إحسانا ونصحا وشفقةً عليه.
والحسد يمنع كمال الإيمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» متفق عليه.
الحسد معصيةٌ يجب على المسلم أن يتوب منها، وأن يرضى بالقضاء ويستسلم للمقدور ولا يعارض الله في أمره، ويفرح بكرم الله على عباده ويدفع عن قلبه تلك المعصية طاعةً لله وخوفًا من عقابه، وأن ينظر لمن هو دونه، ويتذكر نعم الله عليه ويقنع بعطاء الله له، فكل حاسدٍ محسود، وأن يتعوذ بالله من الحسد ويبادر إلى الدعاء للمحسود ويتمنى زيادة الخير لأخيه المسلم، فمن أعطى غيرك نعمةً فهو قادرٌ سبحانه أن يعطيك مثلها وأحسن منها.
ومن أحب أن ينعم الله عليه، فلا يلتفت لأحوال الناس، وليجعل صدره سليمًا، ومن نظر إلى ذنوبه إستكثر ما هو فيه من النعم، وما حفظ عبدٌ نعمة الله عليه بمثل شكرها وما عرضها للزوال بمثل عصيان الله بها ، فسارعوا بشكر نعمه عليكم، يزدكم من فضله، ويهب لكم من الخير ما تسعدون به في الدنيا والآخرة.
الكاتب: عبد المحسن القاسم.
المصدر: شبكة مسلمات.